ظل الشجرة المباركة

في قلب واحة هادئة، تلفها أشجار النخيل الباسقة كأذرع حانية، عاش شيخ وقور يُدعى "سالم". لم يكن سالم يتمتع بثراء الدنيا، بل كان كنزه الحقيقي يكمن في قلبه النقي وروحه المتصلة بخالقها. كان سالم يقضي أيامه في رعاية بستان صغير ورثه عن أبيه، أرض مباركة كانت تثمر أجود أنواع التمر.
في إحدى السنوات، حلت بالواحة جائحة لم يشهدها أهلها من قبل. تأخر المطر، وجفت الآبار، وبدأت أشجار النخيل تذبل شيئًا فشيئًا. عم الحزن واليأس بين الناس، وبدأ البعض يفقدون صبرهم وإيمانهم.
إلا أن سالم ظل على حاله، لم يتزعزع يقينه بالله. كان كل صباح يتوضأ بماء قليل تبقى في بئره العتيقة، ثم يتوجه نحو بستانه، لا ليعاتبه على ضعفه، بل ليتفقد جذوره المتمسكة بالأرض، وليدعو الله بقلب خاشع أن يرفع عنهم البلاء.
كان أهل الواحة يرونه وهو يتجول بين نخيله الذابل، يتمتم بدعوات خفيضة، فيتهامسون فيما بينهم: "لقد كبر سالم وضعف عقله، كيف يرجو الخير من أرض قاحلة وسماء بخيلة؟"
ولكن سالم لم يكن يستمع إلى همساتهم، كان سمعه وقلبه معلقين بنداء واحد، نداء الفطرة والإيمان. كان يعلم أن قدرة الله فوق كل الأسباب الظاهرة، وأن رحمته أوسع من كل ضيق.
في إحدى الليالي، رأى سالم في منامه رؤيا. رأى شجرة نخيل عجوزًا في بستانه، بدت أكثر ذبولًا من غيرها، لكنه رأى نورًا خافتًا ينبع من جذورها الملتفة في الأرض. سمع صوتًا هادئًا يأتيه في المنام: "يا سالم، سر قوتك في صبرك، وسر الحياة في جذور الماضي. لا تيأس، ففرج الله قريب كقرب هذه الجذور من الماء الخفي."
استيقظ سالم من نومه وقلبه مطمئنًا. لم يفهم الرؤيا تمامًا، لكنه شعر بنور الأمل يشرق في داخله. كعادته، توجه إلى بستانه، وتوقف أمام شجرة النخيل العجوز التي رآها في منامه. تفقد جذعها المتصلب وأغصانها اليابسة، ثم انحنى وفحص التربة حول جذورها. كانت الأرض جافة ومتشققة كقلوب اليائسين.
لكن سالم لم يفقد الأمل. بدأ يحفر ببطء وحذر حول جذور الشجرة العجوز، مستعينًا بفأسه القديم. كان العمل شاقًا تحت شمس الظهيرة الحارقة، لكنه كان مدفوعًا بإحساس داخلي قوي.
بعد ساعات من الحفر المضني، شعر فأسه يرتطم بشيء صلب. أزاح سالم التراب بيده المرتعشة، ودهش لما رأى. كانت صخرة كبيرة تعيق وصول الماء إلى جذور الشجرة العجوز...
(تابع نفس القصة مع استكمال الفقرات بنفس الأسلوب)